معاينات المستويات العُلوية

الظواهر الجوية ليست ثنائية الأبعاد, ولا تقتصر على مستوى السطح. الغلاف الجوي عبارة عن طبقة بسُمُك عشرات الكيلومترات. وبالتالي لا يمكن فهم ما يحدث فيها بدون قياس عامودي (مع الإرتفاع). القياسات السطحية تُشبه المحاولة لتشخيص مرض شخص فقط من خلال النظر إليه أو وضع اليد على الجبين. كما أن الطب الحديث يحتاج لفحوصات الدم, فحوصات الأشعة السينية وما إلى ذلك - من أجل معرفة وفهم ماذا يحدث داخل الجسم - كذلك الأرصاد الجوية تحتاج لقياسات المستويات العُلوية - من أجل معرفة وفهم ماذا يحدث داخل الغلاف الجوي.

تعتبر بيانات المستويات العُلوية حاسمة لفهم عمليات تكون السُحب: هل تتحقق الظروف لتكون سُحب مطيرة؟ عواصف رعدية؟ هل تتحقق الظروف لتكون السُحب المنخفضة والضباب؟

بيانات المستويات العُلوية مهمة بشكل خاص للطيران. الطائرات كما هو معروف لا تطير ضمن مستوى السطح, والظروف اللتي تواجهها يمكن تشخيصها بواسطة تطيير بالونات (مناطيد صغيرة) المستويات العُلوية. يتم إستخدام بيانات المستويات العلوية لإنشاء خرائط الرياح ودرجة الحرارة للإرتفاعات الخاصة بالطيران, بيانات تخدم شركات الطيران لحساب إستهلاك الوقود وتخطيط مسار الرحلة, وكذلك لرسم خرائط المناطق والإرتفاعات اللتي يسود فيها طقس خطير للطيران.

البيانات العامودية لدرجة الحرارة ضرورية لمعرفة مستوى التجمد وتحديد الطبقات التي قد يحدث فيها خطر التجلد السطحي للطائرة: الطبقات التي تكون فيها درجة حرارة الهواء أقل من الصفر, لكن قطرات الماء لا تتجمد, إنما تبقى سائلة وفي حالة شديدة البرودة. قطرات بهذه الحالة قد تتجمد بمجرد ملامستها لسطح جسم الطائرة.

البيانات العامودية للرياح ضرورية لتشخيص الرياح القوية التي تؤثر على الطيران - التيار النفاث(Jet stream) في المستويات العُلوية المرتفعة ورياح القص(Wind shear) في المستويات العُلوية المنخفضة. التيارالنفاث في المستويات العُلوية المرتفعة هو حزام رياح قوية للغاية يجب التعرف على موقعها وشدتها, حيث يمكن أن تؤثر بشكل كبيرعلى مدة الرحلة (الطيران في نفس إتجاه التيار النفاث أقصر وقتًا من الطيران عكسه، ويمكن تقليل تأثيره عن طريق تغيير إرتفاع الطيران). وفي القسم السفلي, يُرافق حزام الرياح دوامات حادة (هذه هي "الجيوب الهوائية" التي يشعر بها الركاب أحيانًا أثناء الرحلات الجوية).

يتم إجراء قياسات المستويات العلوية المُفَصلة بواسطة تطيير حُزمة من أجهزة الإستشعار الموصولة  ببالون ( منطاد صغير) والتي تبُث البيانات لاسلكيًا إلى الأرض - هذا هو المسبار اللاسلكي Radiosonde.

في الوقت الحاضر, يتم نفخ البالون بالهيليوم, ويصبح أكبر كلما وصل إلى إرتفاع أعلى - ذلك لأن الضغط الجوي يقل مع الإرتفاع - إلى أن ينفجر على إرتفاع 20-30 كم (تهبط حُزمة المستشعرات ببطء إلى الأرض بإستخدام مظلة). في كلا صعوده ونزوله, يقوم المسبار اللاسلكي- الراديوسوندا بقياس الضغط, درجة الحرارة والرطوبة في مستويات الغلاف الجوي المختلفة. يتم معرفة وتحديد موقع البالون بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ووفقًا لإنجراف البالون, تقوم المنظومة بحساب إتجاه وسرعة الرياح في الإرتفاعات المختلفة.

من أجل تكوين صورة عالمية ثلاثية الأبعاد للغلاف الجوي, خدمات الأرصاد الجوية في جميع أنحاء العالم تقوم بتطيير مسابير لاسلكية (Radiosondes) في وقت واحد, في ساعات محددة. في بيت داچان, يتم تطيير المسابير اللاسلكية في الساعات الرصدية الرئيسية التي حُددت من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية – في الساعات 00:00 و 12:00 حسب توقيت غرينيتش(UTC) .

بالإضافة لتطيير الراديوسوندا, يتم في بيت داچان تطيير "البالون الدليلي"(pilot balloons) مرتين في اليوم في الساعات 06:00 و- 18:00 بتوقيت غرينيتش(UTC). هذه البالون ليس مُرفقًا بحُزمة مُستشعرات ولا GPS. يتم تتبع هذا البالون بإستخدام جهاز "المزواة" (theodolite). وبعد حساب موقع البالون, يمكن حساب سرعة,قوة وإتجاه الرياح. نظرًا لأن تتبع "البالون الدليلي" يعتمد على قدرة المُراقب على رؤية البالون، فإن قياس الرياح بواسطة البالون الدليلي يقتصر على عدة كيلومترات فقط.

في هذه الصفحة (معاينات المستويات العلوية) يمكن مشاهدة البيانات الصادرة عن الراديوسوندا – الإرتفاع, الضغط, درجة الحرارة, درجة حرارة الميزان الرطب (wet-bulb temperature) والرياح –  بواسطة جدول وكذلك بواسطة المخطط الديناميكي الحراري (thermodynamic diagram), المعروف بإسم "تيبيغرام"- (tephigram).

يتيح التيبيغرام تحديد ومعرفة ظروف الإستقرار(stability conditions) للغلاف الجوي في الطبقات المختلفة, وإحتمال تكون ضباب أو سُحب الحمل الحراري(convective clouds). يُظهر التيبيغرام درجة الحرارة (على اليمين , النقاط الموصولة بخط متواصل) و"درجة حرارة نقطة الندى - "dew point temperature" (على اليسار، النقاط الموصولة بخط مُتقطع), وكل ذلك في نموذج معلومات تُرسم فيه الخطوط متساوية الحرارة isothermals ( خطوط عامودية), الخطوط متساوية الحرارة الوضعية - potential temperature (خطوط أفقية), والخطوط متساوية الضغط -   isobars(خطوط  مائلة ، منحنية).

بالإضافة إلى بيانات الراديوسوندا المحدّثة, على التيبيغرام يتم رسم البيانات الناتجة من الإطلاق الذي حدث قبل 24 ساعة (إن كان هنالك إطلاق). يتم تلوين الفروق بين الإطلاقين لتأكيد التغيير الذي حدث في الغلاف الجوي. إحترار طبقة معينة يظهر باللون الأحمر وتبريدها باللون الأزرق. بالإضافة إلى ذلك, جفاف الطبقة يظهر باللون الأصفر بينما إزدياد في الرطوبة سيظهر باللون الأخضر.